الأحد، 14 أبريل 2013

هلّا مكثت



هلّا مَكَثْتَ يا شبابُ قليلا
حتَّى أُروِّي من نداكَ غليلا
ذوَّقْتني نارَ الحياةِ ونورَها
ثُمَّ انصَرفْتَ بلذَّتيكَ عَجولا
تَرَكْتَنِي فالشَّيبُ عاثَ بِلِمَّتي
وشكوتُ من بعدِ النَّشاطِ خُمولا
من بعدِ إشراقِ الصَّباحِ بِجَبهتي
خَلَقَ المساءُ تغَضُّناً وَ ذُبولا
من بعدِ شلّالِ الحياةِ ودفقِهِ
ألقى المماتُ على الحياةِ مُحولا
بَسَمَ الشَّبابُ وقالَ لي متضاحكاً
ماذا عنيتَ بكُلِّ ما قدْ قيلا؟
بذَّرْتَ منِّي كلَّ ما أُعْطِيتَهُ
معاذَ ربِّي أن أكونَ بخيلا!
قدْ خِفْتُ أنَّكَ قد تكونَ ملَلْتَني
فرحلتُ عنكَ لكي أظلَّ جميلا
أفكُلَّما بُلِّغْتَ شَيئاً عِفْتَهُ
وكانَ خُلْقاً في الطِّباعِ أصيلا
فالبسْ ثيابَ العُمْرِ في أشكالِها
قد لُوِّنتْ وَتَبَدَّلتْ تبْديلا
قدْ كُنتُ فصلاً في الحياةِ قرأْتَهُ
ولسوفَ تقرأُ في الحياةِ فُصولا
وليس يُبْهِجُكَ الربيعُ وزهرُهُ
لولا الشتاءُ إذا أَطَلَّ هَطُولَا
وللمصيفِ وللخريفِ منافعٌ
وما تُريدُ على النَّهارِ دَلِيلَا
لافُضَّ فوكَ يا شبابُ وإنني
لستُ بِفحوى ما تقولُ جهولا
لو دامَ للإنسانِ حالٌ ملَّهُ
وغدا عليه من السآمِ عليلا
وتبارك الخلّاقُ في عليائِهِ
فقبلتُ أحكامَ الإلهِ قبولا
ذَهَبَ الوراءُ وما أُريدُ فِراقَهُ
وأتى الأَمامُ وما أُريدُ دُخولا
أَأُزَجُّ في قبرٍ رهيبٌ قعرُهُ
فوقي رمالٌ هُيِّلتْ تَهييلا
نعم لعمري ما أشدَّ حماقَتِي
فلكم غدوتُ عن المصيرِ غَفولا
جاء القِطارُ وقد تَركتُ محطَّتي
سفرٌ لعمري قد يكونُ طويلا
ولئن صحبتُ سنا الإلهِ بِرحلتي
فبِفضلِ ربِّي قدْ وجدتُّ خليلا
من الجنانِ مزارعٌ قُدسيَّةٌ
قد ذُلِّلَتْ أثْمارُها تَذْليلا
فاغنم قُطُوفَ الخلدِ في القرآن واط (م)
لُبْ زادَها متى وَجَدْتَ سبيلا
فبغيرِ نورٍ كيفَ ترحلُ يا فتى
فاحملْ كتابَكَ في الدُّجى قِنديلا
قد طُفتُ في عرضِ الحياةِ وطولِها
فما وجدتُّ كذا الكتابِ مثيلَا
فما حوى وحيُ الزَّبورِ كدُرِّهِ
ها فاقرؤا التَّوراةَ والإنجيلا
وتدارسوا الفيداتِ والكُتُبَ الّتي
بَقِيَتْ عن الرُّسُلِ الكرامِ الأولى
فَقَدَتْ نَضَارَتَها وجفَّ معينُها
وتحرَّفَتْ وتبدَّلتْ تبديلا
وليسَ يبدو النُّورُ في صَفَحَاتِها
بغيرِ فُرقانٍ يكونُ دليلا
وليسَ بينَ الأنبياءِ كأحمدٍ
نصرَ الإلهَ وبدَّدَ التضْليلا
كَشَفَ الدُّجَى بِمَعَارِفٍ عُلْويَّةٍ
فغدا بها جيشُ الظَّلامِ ذَليلا
لوْ قُسِّمَتْ أنوارُهُ في ذا الورى
لصارَ كلٌّ في الحياةِ رسولا
أكرمْ بهِ وبسعيِهِ وجِهادِهِ
قد كانَ سيفاً لِلْهُدى مسلولا
نزلَ الكتابُ على فُؤادِ مُحَمَّدٍ
ولقد يكونُ على الجبالِ ثَقيلا
أحيى المواتَ بوعظهِ وبِروحِهِ
فصارَ طلُّ الحقِّ منه سيولا
وأجالَ خيلَ الحقِّ في كبتِ العدا
تغزو القلوبَ توثُّباً و صَهِيلا
فُرسانُها تهبُ الحَياةَ لربِّها
تسعى بِذِكْرٍ بُكْرَةً وَ أَصِيلا
أسيافُها آياتُ ذِكرٍ مُحْكَمٍ
تَرَكَتْ مَضارِبُها العَمَاءَ قَتِيلَا
رنَّ الضِّرابُ فَرَجَّ أرجاءَ الدُّنا
وعمَّ آذانَ الوجودِ صليلا
لو جازَ في حقِّ الإلهِ تَجَسُّدٌ
لاختارَ أحمدَ إن أرادَ حُلولا
لكنَّ نورَ اللَّهِ كان بوجهه
عَكَستْ مَراياهُ الضِّياءَ جميلا
ولقد دنا للّهِ في عليائهِ
مُتَجاوزاً بِمَقامِهِ جِبريلا
فيا لهُ من نبعِ حُبٍّ دافقٍ
وشمسِ مجدٍ لن تذوقَ أُفولا
حبُّ الإلهِ بقلبهِ ما حدُّهُ
اللهُ يعلمُ كم يكونُ مَهُولا
فَخَرَ الأنامُ بأنَّ أحْمَدَ مِنْهُمُ
 وبه ينالُ السالكونَ وُصُولا
هو واحةُ القُربى تعالوا وارتعو
وتفيئوا ظلاً يعودُ ظليلا
هنا الشّبابُ الحقُّ ليس بزائلٍ
وسوادُهُ لا يستحيلُ نُصولا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق